**HANINE-Z** مثقف سوفي جديد
عدد المساهمات : 24 تاريخ التسجيل : 15/12/2010
| موضوع: شرف العم ومنزلة العلماء الأحد 19 ديسمبر 2010, 2:57 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم ميراث النُّبوة لحمد لله قَدَّم من شاء بفضله، وأخر من شاء بعدله، لا يعترض عليه ذو عقل بعقله، ولا يسأله مخلوق عن علة فعله. هو الكريم الوهاب، هازم الأحزاب، ومنشئ السحاب، ومنزل الكتاب، ومسبب الأسباب، وخالق الناس من تراب. الواحد الأحد العزيز الماجد، المتفرد بالتوحيد والتمجيد، ليس له مثل ولا نديد، هو المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، جل عن اتخاذ الصاحبة والولد، ولم يكن له كفواً أحد.
لم يزل حكيماً قديراً، عليماً خبيراً، ذلت له الرقاب، وحارت في ملكوته فطن ذوي الألباب، وقامت بكلمته السماوات السبع والأرض المهاد، نحمده على حَزن الأمر وسهله، ونستعينه استعانة من فوَّض أمره إليه، وأقر أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه. ونستغفره استغفار مقرٍّ بذنبه، معترف بخطيئته. ونشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. شهادة عبده، وابن عبده وابن أَمَته ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته؛ نشهد أن محمداً عبده ونبيه ورسوله إلى خلقه، وأمينه على وحيه، أشرف من وطئ الحصى بنعله، بلغ عن الله رسالاته، ونصح له في برياته، وجاهد في الله حق الجهاد، وقاتل أهل البغي والزيغ والعناد والفساد؛ حتى تمت كلمة الله، وقطع دابر الفساد، صلوات الله عليه وسلامه -من قائد إلى الهدى- وعلى آل بيته الطاهرين، وعلى أصحابه المنتخبين، وعلى أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، ومن سار على نهجهم واقتدى بهديهم من الفقهاء والزهاد والدعاة العاملين المشمرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. وبعد فأشرف التحايا ما مازج النفس وخالط الروح، وأثار المشاعر وحرك الضمائر، تحية جاء بها دين الفطرة رمزَ أمان وعنوانَ إيمان،تحيةً ينبعث معها الروح إلى القلوب وتسكن إليها النفس وتطيب احيي بها هذه الوجوه النيرة الخيرة بإذن الله السلام عليكم ورحمه الله وبركاته حياكم الله وأحياكم، وأطال أعماركم، وأحسن أعمالكم، وذخراً للأمة أعدَّكم، تُعْلُون صروحها، وتضمدون جروحها، وتداوون قرُوحها، ، وتحمون حماها، وترمون من رماها. وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل هذا الاجتماع ذخرًا لي ولكم يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار، وأن يجعله من صالحات الأعمال، وخالصات الآثار، وباقيات الحسنات إلى آخر الأعمار، اللهم اكتب لنا به أجرًا، وارفع به ذكرًا، واجعله لنا ذخرًا، اللهم اجعل سرائرنا خيرًا من علانيتنا، وأعمالنا خيرًا من أقوالنا، اللهم أنِرْ بصائرنا، وثبتنا على الحق حتى نلقاك، واجعل حديثنا حديث قلب لقلوب، أنت أكرم مسئول على الدوام، وأحق من يُرْتَجَى منه حسن الختام.
أحبتي في الله؛ مع هذه الكلمات القلائل المُعَنْوَنِ لها كما وسمعتم بشرف العلم ومنزلة العلماء ، أودعتها طرفًا من حياة بعض العلماء الأفذاذ، ونتفًا من حرص طلاب العلم على العلم، هي باقة من المكارم تهدى إليكم ، وطاقات علمية نادرة، وعبقريات فذة مدهشة، هي لأهل العلم تذكرة، وللعامة والخاصة تبصرة، نرجو أن ينعش بها العليل، ويشحذ بها الكليل، ، ويُوقظ الهاجع، ويُنشر المطوي، ويُفتح المغلق، وينهض المقعد،.. من مصائب الأمة أيها الإخوة ، الجهل ، و طالما تمرَّغت الأمة في ظُلُمات الجهل بعيداً عن هدى ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يقلُّ عن الجهل مصيبة، العلم المؤسَّس على غير هدى ولا كتابٍ منير . فنحن لا بدَّ أن نحارب الجهل، ولكن لا بدَّ أيضاً أن يكون العلم الذي ندعو إليه علماً مؤسَّساً على الأصول الشرعية الصحيحة، علماً مقرِّباً إلى الله عز وجل . والتعليم مهمة الأنبياء، يعلمون الناس في الكتاب ، والله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير ، و ينبغي أن تعلم أن العلم كالمال ، لا يكنـز ، ولا بد أن تؤدي زكاته ، ويختلف العلم عن المال في أن العلم ليس له نصاب حتى لو لم يكن عندك من العلم إلا آية واحدة أو حديث ، وجب أن تبلغها ، يقول النبي صلى الله عليه و سلم : " بلغوا عني وَ لَو آيةً " ، و في الحديث الآخر: " نضر اللهُ امرءاً سمعَ منَّا حديثاً فبلَّغَه " ، حديثاً واحداً !! ويعظم الشيء بعظم نفعه. والعلم الشرعي هو أنفع العلوم وأزكاها، بل إن المتأمل في قوله عليه الصلاة والسلام "... إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر" ليعلم عظم الميراث. وإمام العلماء معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه - له قول حسن يحسن الوقوف عنده. قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: (تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، لأنه معالم الحلال والحرام، منار سبل أهل الجنة، وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما، فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم، ويقتدى بفعالهم، وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خدمتهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس، وحيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه، لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم، يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، والتفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، به توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال من الحرام، هو إمام العمل، والعمل تابعه، ويلهمه السعداء ويحرمه الأشقياء) أحبتي في الله! إن مقارنةً يجريها المنصف بين أمتنا في سابق عهدها وهي مطويةٌ في بطون الأرض والكتب، وبين هذه الأمة التي تجوب في حاضرها اليوم على وجه الأرض؛ يجد الفرق شاسعاً، والبون عظيماً، وأوجه الشبه تكاد تكون مفقودةً مع وجود الاشتراك في النسب والاسم، ولو التمسنا السبب بحق لوجدناه قريباً منا، والله ما هو إلا هدى القرآن،انه العلم الحق أقامه الأولون، وجمعوا عليه قلوبهم، وعلى أخلاقه روضوا أنفسهم، رباهم، وأدبهم، وزكاهم، وصفى قرائحهم، وجلى مواهبهم، وصقل ملكاتهم، وأرهف عزائمهم، وهذب أفكارهم، ومكن للخير في نفوسهم. حفز أيديهم للعمل النافع وأرجلهم للسعي الصالح، ثم ساقهم على ما في الأرض من باطل فطهروها منه تطهيراً، وعمروها بالصلاح تعميراً، واتخذت الأمة الآن إلا من رحم الله القرآن مهجوراً،والجهل ديدنا تقيم ، فإذا السفينة غارقةٌ في أوحالها، وركابها كالغنم تساق إلى الذبح لاهيةً؛ تخطف الكلأ من على حافتي الطريق لا تدري ما يراد بها،
: إن طلب العلم والحق أجلى وأحلى في النفوس الأبية من الشمس في رابعة النهار، ومحورٌ تدور عليه همم الأخيار، وعباب تنصب منه جداول شمائل الأطهار، ومتى علت الهمة في طلب العلم ، حملت صاحبها على مفارقة العوائد وطلب الأوابد، ، وإذا عظم المطلوب قلًّ المساعد. الجهل طغى والشبه قد فشت، والشهوات انتشرت وطغت، وكثر الداعون إليها والمعاونون عليها ومع ذلك فإن العلم ما زال عزيزاً نفيساً كريماً، لا ينال مع الإضراب والإعراض عن طلبه، وعدم التشوف والتشوق إلى سببه، لا يهجم على المبطلين المعرضين، ولا يفاجئ أشباه الأنعام الغافلين، ولو كان كذلك ما كان على وجه الأرض مبطلٌ ولا ضال، ولا جاهلٌ ولا غافلٌ ولا بطال معشر الإخوة إن طلب العلم على بصيرة وهدى وكتاب منير ، والسير في ركاب الصالحين، والتجافي عن طريق الضالين؛ لهو أعزُّ وأنفس وأغلى ما يملكه المرء، وهو أتم نعمةٍ يمتن بها الله على العبد: إنه حصن الله الحصين، من دخله كان من الآمنين، وهو الباب العظيم الذي من ولجه كان إلى الله من الواصلين، نوره يسعى بين يديه وبأيمانه إذا أطفئت أنوار الجهلة ، قال الله: { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } كلا.
من تكن همته نسج الحصير فهو لا يعلم ما نسج الحرير من رام العلم طلبه وبحث عنه، وحشد همته، وعبأ طاقته، وجرد نفسه من كل شاغل، وعالج عثرات طريقه، ومن علم الله صدقه أعطاه وهداه وآتاه، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وما يذكر إلا أولو الألباب، معشر الإخوة أما إن طلب العلم لا يثبت بالدعوى ولكن بالدليل، وإن العبرة بالمسميات لا بالأسماء فحسب، وبالأفعال لا بالأقوال فقط، ولو أن كل من سمته أمه صالحاً كان صالحاً على الحقيقة، وكل من سمي عادلاً كان عدلاً على الحقيقة، لكنا سعداء بكثرة الصالحين والعدول فينا، ولو أن كل من تسمى حسناً لا يأتي إلا الفعل الحسن، لعظم وطغى الحسن على القبيح، ولكن وراء هذه الأسماء والألقاب الجميلة أفق الواقع تتهاوى فيه كثيرٌ من هذه الأسماء والألقاب، وتنفلق فلا تجد إلا الحقيقة من فعلٍ يصدق ذلك أو يكذبه: ذكر أبو الفرج أن تأبط شراً الشاعر ثابت بن جابر لقي ذات مرة رجلاً من ثقيف يكنى بأبي وهب، وكان رجلاً أهوج أحمق وعليه حلةٌ جميلة فارهة، فقال أبو وهب لـ تأبط شراً : بم تغلب الرجال يا ثابت : كيف تغلب الرجال وأنت كما أرى دميم ضئيل؟ -نظر إلى المظاهر وترك الحقائق- قال ثابت : أغلبهم باسمي، إنما أقول ساعة ألقى الرجل: أنا تأبط شراً ، فينخلع قلبه حتى أنال منه ما أردت. فقال الثقفي: أبهذا فقط؟! قال: ليس إلا. قال: فهل لك أن تبيعني اسمك؟ قال: نعم ولكن ما الثمن؟ قال: هذه حلةٌ جميلة مع كنيتي، قال: أفعل، ففعل، وعندها قال تأبط شراً : لك اسمي ولي اسمك، وأخذ الحلة وأعطاه طمريه، ثم انصرف تأبط شراً وهو يقول مخاطباً زوجة الثقفي: ألا هل أتى الحسناء أن حليلها تأبط شراً واكتنيت أبا وهبٍ فهبه تسمى اسمي وسماني اسمه فأين له صبري على معظم الخطبِ؟! وأين له بأسٌ كبأسي ونجدتي؟! وأين له في كل فادحةٍ قلبي؟! مضى وتركه وهو يعيش باسمٍ دون مسمى، وخيالٍ أشبه بالخبال.
وبعض الداء ليس له شفاءُ وداء الحمق ليس له دواءُ إخوتي في الله! ليس كل من تزيا بزي العلماء او طلبة العلم ، وأخذ ألقابهم وأسماءهم وكناهم، وتحدث حديثهم، وردد عباراتهم وشعاراتهم يعتبر طالب علم ، حتى يكون في ذاته وهمه وشعوره، وتصوره وإقدامه وقوة قلبه كالعلماء حقاً، ليس كل من ارتدى مسوح أهل العلم، وإن كان في غاية البلادة في الفهم، والضحالة في العلم، والغباء في الذهن، ورسوخ الجهل؛ يعتبر عالماً حتى يكون في همته وشعوره، وتصوره وإدراكه، وفهمه واتباعه وخشيته كالعلماء حقاً.
لابد من حلٍ ومن علاج من غير تطويلٍ ولا لجاج
معشرالاخوة : لقد جالد الأولون وكابدوا المحن وبذلوا الغالي والنفيس في سبيل تحصيل العلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف لا وهو ميراث النبوة ذكر أهل السير أن [هشام بن عمار]- عليه رحمة الله- كان شغوفًا بطلب العلم، بطلب علم النبوة وهو صغير، وكان معاصرًا[ للإمام مالك] -عليه رحمة الله- جاءه في رحلة شاقة طويلة -فلنسمع ولنعِيَ خبره فلعله يكون لنا فيه عظة وعبرة- عن [محمد بن الفيض الغساني] قال: سمعت [هشام بن عمار] يقول: باع أبي بيته بعشرين دينارًا وجهزني للحج وطلب العلم، قال: فتوجهت من <دمشق> تاركا أهلي ووطني رغبة في الحج إلى بيت الله ولقاء الأئمة أمثال [مالك] -رحمه الله- قال: فلما صرت إلى <المدينة> أتيت مجلس الإمام مالك ومعي مسائل -أعدَّ مسائل يريد أن يسائل الإمام فيها- قال: وأريد مع ذلك أن يحدثني، قال: فأتيته وهو جالس في هيئة الملوك، وغلمانه قيام حوله، والناس يسألونه ويجيبهم، يتدفق كالبحر، قال: فلما انقضى المجلس قمت لأسأله وأطلب أن يحدثني، فاستصغرني ورآني لست أهلا للرواية، فقال: حصَّلنا على الصبيان؛ يعني أنه لم يبقَ إلا الصبيان، ونادى يا غلام –لأحد غلمانه الذين حواليه- احمله، قال: فحملني كما يُحْمل الصبي، وأنا يومئذ غلام مدرك، فأخرجني. يقول [ابن جزرة]: ودخل [هشام] ذات يوم على الإمام [مالك] بغير إذن وقال له: حدثني، فرفض الإمام مالك، يقول [هشام]: فكررت عليه وراودته فقال لغلامه: خذ هذا واضربه خمسة عشرة سوطًا، قال: فأخذه وذهب به وضربه خمسة عشرة سوطًا، فوقف يبكي على الباب حتى خرج الإمام [مالك] فإذا به يبكي، فقال له: ما يبكيك يا [هشام]؟ أو أوجعتك؟ قال هشام: إن أبي باع منزله بعشرين دينارًا، ووجه بي إليك لأتشرف بالسماع منك، فضربتني وظلمتني بغير جرم فعلته سوى أني أطلب حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم- والله لا جعلتك في حلٍّ، لأسائلنك بين يدي الله، فتأثر الإمام مالك، وعلم أنه طالب حديث وجامع سنة بحق، فقال: يا بني ما يرضيك؟ ما كفارة ذلك؟ فقال هشام: أن تحدثني بكل سوط ضربتنيه حديثًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فجلس الإمام مالك: وقال: حدثنا فلان عن فلان عن فلان ، فسرد له خمسة عشر حديثًا، فقال بعدها: يا إمام زد في الضرب، وزد من الحديث، فضحك الإمام [مالك] وقال: اذهب.وقد نقلت كتب السير والتراجم كذلك قصة الشافعي و مالك رضي الله عنهم جميعاً، عندما جاء الشافعي إلى المدينة، وكان قد بدأ الدراسة في مكة، ثم جاء إلى المدينة وهو في سن الثانية عشرة، ليقرأ الموطأ على مالك ، واستضافه في بيته، وكانت ابنة مالك تسمع من أبيها: الشافعي جاء الشافعي ذهب، ويثني عليه لذكائه وحكمته وحرصه على طلب العلم. فلما استضافه مالك يوماً من الأيام، قالت: اليوم سأرى كيف عبادته، فقدمت العشاء ثم أحضرت الوضوء، فلما جاءت في الفجر لتعطيه ماء للوضوء لصلاة الفجر، وجدت ماء الوضوء الذي وضعته له بعد العشاء، لم يمسه، ولم يكن هناك غيره، فلما أصبحت قالت لأبيها: تقول لي: الشافعي الشافعي وما أفعاله بأفعال طلبة العلم! قال: ولماذا؟ قالت: قدمنا له العشاء فأكل كثيراً وليس هذا من صفة طلبة العلم، وأحضرنا له الماء في إناء ليتوضأ ويقوم من الليل ويصلي، فما توضأ ولا صلى ركعة، قال: سأسأله عن هذا! فلما أصبح سأله، قال: نعم، أما كثرة الأكل، فإني منذ خرجت من عند أمي -أمه هي التي ربته وسبحان الله! مالك أيضاً أمه التي ربته؛ لأن أباه خرج في الغزو، وكذلك أبو حنيفة و أحمد رحمهم الله جميعاً- قال: منذ خرجت من عند أمي -وكان في غزة- ما شبعت من طعام قط؛ لأني أتحرج من الحرام، ولما جئت إلى بيت مالك ، وهو إمام دار الهجرة، علمت أنه يتحرى الحلال، فأردت أن أشبع بالحلال فأكلت كثيراً، أما عدم الوضوء في الليل فإني لم أنم، ولم ينتقض وضوئي للعشاء، وصليت الفجر بوضوء العشاء، قال: ولماذا؟ ما الذي أزعجك أو أقلقك ولم تنم؟ قال: حينما جئت إلى المدينة، صرت أمشي في طرقاتها وأتذكر الماضي وأقول: من هنا خرج رسول الله، ومن هنا جاء رسول الله، وهنا أوقفته العجوز، وهنا كلم الغلام -وهذا محل الشاهد- إذ مر على غلام صغير معه طائر نغري، وهذا الطائر معروف بكثرة عند أهل المدينة، وكان يلعب به، ثم مات الطائر، ولما رجع رسول الله عليه الصلاة والسلام وجد الطائر قد مات، والطفل يبكي عليه، فقال له: ( يا أبا عمير ! ما فعل النغير؟ ) أبو عمير هذه كناية، فكناه وهو صبي ليس له ولد، فأخذت أتفكر في هذه العبارة: ( يا أبا عمير ما فعل النغير؟ ) ومعلوم أن المدينة محرم الصيد فيها، قال: فاستخرجت من هذا الحديث أربعين مسألة فقهية!! منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم كنى هذا الغلام بما لم يولد له، فكذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها كنيت بـ أم عبد الله وهي لم تلد قط لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر. جاء في إنباء الرواة في ترجمة [أبي نصر القرطبي] قال: كنا نختلف إلى [أبي علي القالي] -رحمه الله- وقت إملائه النوادر في جامع الزهراء بحي <قرطبة> ونحن في فصل الربيع، قال: فبينما أنا ذات يوم في بعض الطريق إذ أخذتني سحابة، فما وصلت إلى مجلس أبي علي إلا وقد ابتلت ثيابي كلها، وحوالي أبي علي أعلام أهل قرطبة، فلما رآني مبتلا بالماء أمرني بالدنو منه، وقال لي: مهلا يا أبا نصر لا تأسف، ولا تأس، ولا تحزن على ما عرض لك؛ فهذا شيء يضمحل عنك بسرعة، بثياب تبدِّلها بغير ثيابك، لكن اسمع –يريد أن يعزيه وأن يسليه على ما أصابه- قد عرض لي –يقول أبو علي عن نفسه- ما أبقى في جسمي ندوبا وجروحا تدخل معي القبر، لقد كنت أختلف في الطلب؛ يعني في طلب العلم إلى [ابن مجاهد] –رحمة الله عليه- فذهبت إليه آخر الليل قبل طلوع الفجر؛ لأقترب منه لأستفيد، فلما انتهيت إلى الطريق الذي كنت أخرج منه إلى مجلسه ألفيته مغلقًا،قال وعسر عليَّ فتحه، فقلت: سبحان الله! أبكِّر هذا البكور ثم أغلب على القرب منه، والله لا يكون ذلك، فنظرت إلى سرب بجانب الدار ضيق فاقتحمته، فلما توسطته ضاق بي ذلك السرب وذلك النفق، فلم أقدر على الخروج منه، ولم أستطع النهوض، قال: فاقتحمته بشدة حتى خرجت بعد أن تخرقت ثيابي، وأثَّر السرب في لحمي حتى انكشف العظم، ومنَّ الله علي بالخروج فوافيت مجلس الشيخ على حالتي هذه، فأين أنت مما عرض لي قال أبو نصر: فسلاني ما حكاه، وهان عندي ما عرض لي من بلل للثياب بجانب ما أصابه، فلازمته حتى مات، فرحمة الله على الجميع. هم أسلافنا، وندعي الصلة بهم، فهل مجالسنا مجالسهم، وهممنا هممهم؟ وجاء في ترتيب المدارج: أن [ابن القاسم] -عليه رحمة الله- تزوج ابنة عمه، وحملت منه، وقد كان شغوفًا بطلب العلم، فقرر أن يرتحل لطلب العلم، وخيَّرها عند سفره بين البقاء أو الطلاق، فاختارت البقاء معه، فسافر حتى أتى <المدينة>، وترك زوجه حاملاً في بلاده. فاسمع ما يقول؛ يقول: كنت آتي كل يوم [الإمام مالك] –عليه رحمة الله- في ظلمة الليل، في آخر الليل، في غلس، فأسأله عن مسألتيْن أو ثلاث أو أربع، وكنت أجد منه في ذلك الوقت انشراحًا للصدر، فكنت أستغل ذلك الانشراح، فآتيه كل سحر، قال: فجئت يومًا، فتوسدت مرة عتبة بابه، فغلبتني عيناني، فنِمْتُ، وخرج الإمام مالك إلى المسجد، ولم أشعر به. قال: فخرجت جارية سوداء له، فركزتني برجلها، وقالت: إن الإمام قد خرج إلى المسجد، ليس يغفل كما تغفل أنت. إن له اليوم تسعًا وأربعين سنة قلَّما صلى الصبح إلا بوضوء العتمة، يصلي الصبح بوضوء العشاء لمدة تسع وأربعين سنة! يقول [ابن القاسم]: فأنخت بباب مالك سبع عشرة سنة أطلب العلم، والله ما بعت فيها ولا اشتريت شيئًا، وإنما أطلب العلم. قال: وبينما أنا عنده إذ أقبل حجاج <مصر> –بلده- فإذا شاب ملثم دخل علينا، فسلم على مالك، وقال: أفيكم ابن القاسم؟ فأشير إليَّ، قال: فأقبل علي يقبل عيني ويدي وجدت منه ريحًا طيبة؛ فإذا هي رائحة الولد، وإذا هو ابني الذي ذهبت، وهو في بطن أمه قد أصبح شابًا يافعًا فيالله. تركوا كل شيء، وأعطوْا العلم كل شيء، ففتح الله عليهم فتحًا لا يخطر بالبال، ولا يدور بالخيال. لا نقول: أعطُوا ما أعطَوْا؛ فنحن أقلُّ والله. لكن لنقول: لنعطِ العلم بعض شيء علَّنا نكون شيئًا، نسأل الله أن ييسر لنا العلم النافع والعمل الصالح، هو ولي ذلك والقادر عليه.
حكى [الخطيب التبريزي] اللغوي: أن [أبا حسن الغالي] الأديب كانت له نسخة من كتاب الجمهرة [لابن دريد] كانت في غاية الجودة، فدعته الحاجة ذات يوم لبيعها، فكتب أبياتًا في آخرها يعبر عن معاناته في بيع أعز ما لديه وهو الكتاب، لكنها الحاجة - ونسأل الله أن يغنينا عمن أغناه عنا- عرضها للبيع فاشتراها منه [أبو القاسم] المذكور قبل قليل، اشتراها منه بستين دينارًا، ثم قام بتصفحها، فوجد فيها تلك الأبيات بخط بائعها يقول فيها: أنست بها عشرين حولاً وبعتها *** لقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظني أنني سأبيعها *** ولو خلدتني في السجون ديوني ولكن لضعف وافتقار وصبية *** صغار عليهم تستهلُّ شجوني فقلت ولم أملك سوابق عبرتي *** مقالة مكويِّ الفؤاد حزين وقد تخرج الحاجات يا أم مالك *** كرائم من ربٍّ بِهن ظنين فقرأها وتأثر أبو القاسم، وفاضت عيناه، وذهب وأرجع النسخة له، وترك له الدنانير، فرحم الله الجميع.
وفي البداية يقول [ابن كثير]: لقد كان [البخاري] يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه، فيوقد السراج، ثم يكتب الفائدة تمر بخاطره، ثم يطفئ السراج لينام، ثم يقوم أخرى وأخرى، كان يتعدد ذلك منه في الليلة الواحدة أكثر من عشرين مرة. بل إن [الإمام الشافعي] تذكر عنه ابنته تقول: إنه في ليلة واحدة أطفأ وأضاء السراج ستين مرة؛ فما الذي نَامَهُ هؤلاء من ليلهم، رحمهم الله؟ قد كانت الشدائد في سبيل تحصيل العلم عندهم أشهى وألذَّ وأحلى من جنى النحل في الفم؛ لأنهم يعرفون قدر ما يأخذون.
فانظروا معشر المسلمين كيف عرفوا العلم وقدره، واستعذبوا العذاب في سبيل الحصول عليه، باعوا بيوتهم، وقطعوا الفيافي والقفار حتى وصلوا؛ لأنهم يعرفون أنه بواسطة العلم يُعْبد الله في الأرض على بصيرة. صلى الله على نبينا محمد، لله درهم، ما أمضى عزائمهم! وما أشد جلدهم وشوقهم لطلب ميراث النبوة لوجه الله! وما أقواهم على الدخول فيما يريدون حين يريدون! طافوا الدنيا لتحصيل العلم، زرعوها بالأقدام زرعًا يوم لم يكن قطار ولا سيارة ولا باخرة ولا طائرة، طافوا البلدان، فلا صعوبة تمنعهم من لقاء العلماء، أمانيهم في تحصيل العلم، وخدمة هذا الدين تحدوهم إلى المزيد، وتنسيهم ما يلقون من تعب وعناء شديد. فهل من مقتد بهم يا شباب الإسلام في هذا الزمان؟ رحمهم الله، تحمَّلوا ما تحملوا لتدوين العلم، فلم يبقَ لك إلا أن تطلبه في مظانه بهمة الرجال التي تتصاغر وتتضاءل أمامها المشاق والمتاعب والأخطار. ولن يخيب الله مسعي من سعى، ولن يتخلف الصادق عن النبوغ؛ فالنبوغ صبر طويل كما قيل. فكن من رجال الخطوب لا من رجال القصعة والثريد، فمن ساق الأماني، وصاحب التواني، واستلذَّ المطاعم، واستحبَّ النوم، وشغلته تقلبات الفصول عن التحصيل فما أبعده عن العلم! وما أبعد العلم عنه! وما أنفره عن العلم! وما أنفر العلم عنه! إذا كان يؤذيك حر المصيف، ويبس الخريف، وبرد الشتاء، ويلهيك حسن زمان الربيع، فأخذك للعلم قل لي متى؟ معشر المسلمين ؛ اعلموا أن علوم الإسلام لم تدون في ظلال الأشجار والثمار، وعلى ضفاف الأنهار، إنما دوِّنت باللحم والدم والعصب، وظمأ الهواجر، وسهر الليالي، على السراج الذي لا يكاد يضيء نفسه أحيانا، في ظل الجوع والعري، وانقطاع النفقة في بلاد الغربة، والصبر على أهوال الأسفار، وملاقاة الخطوب والأخطار، والتيه في الفيافي والقفار، والغرق في البحار، مع البعد عن الأهل والزوجة والدار. ، فلم يبقَ لكم معشر الشباب إلا أن تطلبوميراث النبوة في مظانه بهمة الرجال التي تتصاغر وتتضاءل أمامها المشاق والمتاعب والأخطار. ولن يخيب الله مسعى من سعى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. الدعاء وأسال الله تعالى أن يرزقني وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل ما أعطانا قربة وزلفى إليه إنه على كل شيء قدير. اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا وأعنا ولا تعن علينا، وأنصرنا على من بغى علينا. اللهم أصلح سرنا وعلانيتنا وظاهرنا وباطننا. اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم استعملنا في ما يرضيك، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين. اللهم أحي قلوبنا بذكرك وشكرك وطاعتك. اللهم خذ بأيدينا إلى ما يرضيك. اللهم أجمع شتات قلوبنا، اللهم وحد على الخير صفوفنا. اللهم أبرم للمؤمنين أمرا يعز به من أطاعك حتى لا يكون أحد أعز منه، وبذل به من عصاك حتى لا يكون أحد أذل منه. اللهم الحظ بعين رعايتك وعنايتك وعطفك ولطفك إخواننا المستضعفين في كل مكان. اللهم أنزل عليهم من سكينتك ونصرك يا حي يا قيوم ما تأمنهم به من خوف، وتشبعهم به من جوع وتكسوهم به من عري. اللهم أنزل على عدوهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
فيا قيوم السماوات والأرض لا ترد دعائنا ولا تخيب رجائنا إنك على كل شيء قدير.
يا حي يا قيوم هذا الدعاء ومنك الإجابة. العلم، | |
|
THE.KING.OF.EL.OUED مثقف سوفي مشارك
عدد المساهمات : 57 تاريخ التسجيل : 06/10/2010 العمر : 30
| موضوع: رد: شرف العم ومنزلة العلماء الأحد 19 ديسمبر 2010, 3:09 pm | |
| | |
|
**HANINE-Z** مثقف سوفي جديد
عدد المساهمات : 24 تاريخ التسجيل : 15/12/2010
| موضوع: رد: شرف العم ومنزلة العلماء الأحد 19 ديسمبر 2010, 4:11 pm | |
| وفيك بركة اخي نورت الموضووووووع
| |
|