بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على خير الخلق نبينا محمد وعلى اله وصحبه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(((اسباب الكذب ودوافعه عند الصغار وطرق معالجته)))
يدور الحديث في هذا الموضوع حول الاسباب التي تدفع الفرد الى الكذب ، ولماذا يكذب الصغير اوحتى الكبير . تتحدث التحقيقات العلمية والتجارب اليومية عن وجود اسباب وعوامل شتى لايتيسر البحث فيها جميعاً او الاحاطة بجميع جوانبها .
الا انه يمكن طرح جملة من النقاط التي تعتبر بمثابة الخطوط العريضة وبالشكل التالي :
الخوف والحسد والانتقام والحقد وحب الاستطلاع والتخيل والانانية والميول الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والمباهاة والغرور والخجل ، والضعف والعجز ، والشعور بالحقارة والرغبة في استعطاف الآخرين وجلب انظارهم ، والمبالغة ، وسعة الآمال و... الخ .
وسنقوم في ما يلي بشرح عدد منها :
1 ـ الخوف من العقوبة : وهو من الدوافع التي تضطر الطفل بل وحتى الكبير الى الكذب خوفاً من العقوبة ، وان هو صدق في قوله فلن يأمن المجازاة مما اقترف . فالطفل الذي كسر اناء ، او اصطدمت قدمه اثناء السير بمزهرية فسقطت وانكسرت ، أو أخذ نقوداً من مكان ما واشترى بها بعض المأكولات ، او انشغل باللعب ولم يؤد ما عليه من تكاليف او غير ذلك من الافعال ، يضطر الى الكذب للتملص من العقوبة والإفلات من قبضة المجازاة .
فيلقي تبعة كسر الإناء مثلاً على عاتق شخص آخر ، ويبرر عدم ادائه لواجباته بعدم وجود المصباح او باعتلال صحته ومجيء اصدقائه لعيادته ، او مرض احد اصدقائه وانشغاله بزيارته . وتذكر التحقيقات العلمية ان 70 % من اكاذيب الاطفال تعود لهذا السبب ؛ ولو انكم وعدتموه بعدم العقوبة لقال لكم الحقيقة .
2 ـ كثرة الضغوط : قد يلجأ الطفل الى الكذب في بعض الموارد حينما يشعر أن الصدق يجلب عليه الضغوط من الوالدين والمربين ؛ ويحصل ذلك حينما يعمد الطفل الى إخفاء امر كان قد ارتكبه عن انظار والديه ، الا أن اسئلتهم الكثيرة واصرارهم على تقصي حقيقة الأمر يزيد من عناده واصراره على الكذب .
فمن الواضح انه يتممسك بالدفاع والإنكار حفاظاً على شخصيته ، فيرفض الإجابة على الاسئلة التي توجه اليه ويتصدى للضغوط التي تمارس ضده للتفوه بالحقيقة معتبراً كل ذلك إهانة له وانتقاصاً من شخصيته . فالضرورة التربوية تقتضي بأن يكتفي الوالدان بإشعار الطفل بأنهما قد علما بحقيقة الامر ، ولا داعي للاكثار من الضغوط والاسئلة لتقصي دقائق الامور .
3 ـ الضعف والعجز : يلاحظ في بعض الأحيان أن الأبوين والمربين يفرضون على الطفل تكاليف شاقة فوق مستوى طاقتة ، فيضطر حينها إلى اختلاق الاعذار والاكاذيب كأن يدعي عدم وجود الوقت الكافي لديه او انه لا يجيد انجاز هذا العمل ، او يتمارض ويتظاهر بالعجز وامثال ذلك من الذرائع .
وقد ينعكس هذا الضعف في بعض الموارد لاجل التغطية على ضعفه امام الآخرين فيتظاهر بالقدرة على فعل ما يفرق طاقته وهذا هو نفس الوضع بالنسبة لبكاء صغار السن فهم يبكون من اجل نيل مطلب يعجزون في نيله بالكلام وبمجرد الحصول على مبتغاه ترتسم على شفتيه ابتسامة الرضا والارتياح .
4ـ الحسد والتنافس : تنشأ بعض اكاذيب الاطفال من الحسد والتنافس . فهو يرى مثلاً ان اخاه او اخته الاصغر لهما القدرة على لفت انظار الأب والام من خلال حلاوة اللسان وانهما قد نالا منهما المحبة والاهتمام فيحاول الحصول على موطئ قدم له عند الوالدين عن طريق منافسة اخوانه ؛ وهذه المنافسة لا منشأ لها في حقيقة الحال سوى الحسد ، فاذا لم تكن لديه المواصفات الكافية في العمل ، او فشل في مجاراة اقرانه في المنافسة فسيجد نفسه حينذاك مضطراً لانتهاج مسلك الكذب والتصنع . وقد يعمد احياناً الى ايذاء أخيه الاصغر الى حد دفعه الى البكاء ثم ينكر في ما بعد اية علاقة له بالموضوع .
5 ـ لفت الانظار : حينما يجلس الأب والأم بين مجموعة من الاصدقاء والاقارب وينشغلون بالاحاديث والمناقشات يشعر الطفل بأنه وجود منسي ولا حساب له في مثل هذه الأجواء ، ويتصور ان لا مكانة له ولا وجود يستحق الاعتبار بين هذه الجماعة ، فيبادر الى الحديث عن مسألة لا وجود لها في الواقع ويضفي عليها الواناً براقة من التهويل والتعظيم من اجل جلب انتباهكم ولفت انظاركم نحوه .
6 ـ حيازة المنفعة : نعلن للطفل احياناً باننا سنشتري له الشيء الفلاني الذي يحبه كثيراً اذا ما حاز المرتبة الاولى في امتحانات الفصل الثاني ، وامتحانات نهاية العام الدراسي ، او فيما حصل على درجة عالية في الدرس الفلاني ، فلنتصور الحال لو انه فشل في حيازة المرتبة الاولى ، وكان شديد التعلق بالشي الفلاني الذي وعدناه بشرائه فمن الطبيعي ان يضطر الى انتهاج الاساليب غير القويمة ، كالكذب مثلاً ، من اجل الحصول على غايته . او نلاحظ الشخص الكبير انه مستعد للقسم على انه اشترى هذه السلوة بالثمن الفلاني ولايجني من بيعها الآن سوى ربح يسير ، وذلك كله من اجل صيانة منفعته الشخصية .
7 ـ الغرور والمباهاة : تظهر بعض التحقيقات بأن اكثر من 15 % من انواع الكذب منشؤها المباهاة وصيانة الغرور . فيتحدث الشخص كذباً امام الآخرين عن شخصيته والمنزلة الاجتماعية لعائلته ، وما تحظى به من الأهمية ، وذلك من اجل ان لا يستهين به الآخرون ، او يستقلوا شأنه ، فيقول ان اباه يحتل منصباً رفيعاً ، وفي دارنا 900 غرفة ، وانني حزت على المرتبة الاولى في النجاح في مدرستي ... هادفاً من كل ذلك الى مكانته والاستحواذ على اهتمام الآخرين واشباع اهوائه النفسية .
8 ـ التستر على الخطأ :الطفل مجبول ـ كالآخرين ـ على حب ذاته ، فهو يحب ذاته ويعتز بشخصيته . وحينما يقع في أي خطأ او منزلق يشعر بانه سيتعرض للمهانة الاجتماعية بسبب الطعن والتوبيخ الذي سيلقاه على ايدي الآخرين . فيبادر الى معالجة الموقف بالكذب في سبيل التغطية على خطئه . ولأجل الافلات مما قد يتعرض له من استهزاء واحتقار ، يصبح مستعداً للادلاء باقوال تتنافى مع الواقع . ولو انه كان يعلم بأن خطأه سيغفر له من قبل المجتمع لما اضطر الى الكذب .
9 ـ الأمال والأماني :وقد تعكس اكاذيب الطفل احياناً ما يدور في مخيلته من آمال وأمنيات . ( مثلاً ) فهو يتمنى القدرة على القفز من فوق النهر الفلاني واجتيازه ، فيطرح هذه الفكرة امام الآخرين وكانها قد تحققت فعلاً على ارض الواقع ، وهو يتمنى ايضاً ايجاد آصرة من الصداقة والانس فيما بينه وبين معلمه ، فهو يتحدث عن هذه الأمنية احياناً وكأنها واقع قائم .
نلاحط الاطفال يتحدثون في بعض الأوقات كذباً عن امور لم يقوموا بها وعن اشياء ومواقف من الشجاعة يأملون في مخيلتهم ـ تحقيقها او بلوغها . انهم يطمحون لنيل أمنيات لا يتحقق لهم نيلها حالياً ، ويرغبون في بلوغ درجة من الاستعداد واللياقة لا تتوفر فيهم حالياً .
10 ـ الانتقام : ويمثل الكذب في بعض المواقف نوعاً من الانتقام ايضاً ، كأن يضع أبويه في موقف حرج جزاء لهما على ايذائهما له ورغبة في الانتقام منهما وحرق قلبيهما كما احرقا قلبه . فالطفل يدرك ان كذبه يثير الاضطراب لدى أبويه . او قد يحاول القيام بما يسيء الى كرامة ابويه لأنهما انتقصا من كرامته امام صديقه ، وكثيراً ما يتجلى مثل هذا السلوك عند الاطفال الذين يفتقدون المقومات النفسية السليمة ويشعرون غالباً بالمظلومية والضعة والحقارة . وهم يعدون هذا الاسلوب كوسيلة للدفاع عن أنفسهم .
11 ـ الالعاب الصبيانية :يميل الطفل بطبيعته الى اللعب والى اللهو بكل ما يجد فيه متعة ولهواً ، وقد يعمد احياناً الى الكذب في سبيل ان يتلهى ويلهي معه الآخرين ، فيرغب الآخرين ـ على سبيل المثال ـ بالاحاديث المخيفة والاخبار الكاذبة كأن يخبرهم بان شرارة قد انقدحت في كهرباء المطبح فيسارع الأب المسكين الى اقتلاع المفتاح الرئيس للكهرباء ، ويتجه للبحث عن موضع الإتصال الكهربائي والطفل يركض وراءه متظاهراً وكأن الحق معه وان الخبر الذي اورده لاغبار عليه ، وهو يضحك في اعماقه على هذا الموقف الذي افتعله ، فهو يحب إفتعال الموقف مع الآخرين كما يجب اثارة الضجيج والاضطراب في اللعب ويشغل الآخرين .
12 ـ التخيلات الصبيانية : من المسائل المهمة والنقاط الاساسية في علم نفس الطفل بأنه لا يفرق كثيراً في بعض الحالات بين الواقع والخيال فما اكثر المسائل التي يتخيلها في ذهنه ثم يطرحها في ما بعد على اساس انها حقيقة فيتصور في ذهنه مثلاً ان القطة قد دخلت المطبخ وأكلت اللحم . في أي الى امه حالاً ويخبرها بذلك فتسارع الام الى المطبخ فلا ترى ما يؤيد ذلك .
تلاحظ هذه الظاهرة بكثرة عند الاطفال الذين لا يتجاوزون سن الخامسة . وكثيراً ما يثير هذا التصرف استهزاء الوالدين وغضبهما ويدفعهما الى إتهامه بالكذب ، بينما يقتضي واقع الحال تعليمه وتوعيته . فمثل هذا الكذب لا يمثل كذباً في الحقيقة ، بل هو نوع من التصور والخيال ، او قد يكون إنعكاساً لحكاية قصتها عليه امه بالامس او حلماً رآه في الليلة البارحة لاسيما وانه عاجز عن التفريق بين الواقع والخيال وعاجز عن بيان معنى كلمنهما .
13 ـ الجهل بالشؤون التربوية : اثبتت الدراسات بان الوالدين اللذين يجعلان اجواء البيت مليئة بالصدق والمحبة ، ويرعيان الضوابط الاخلاقية في المنزل وينتبهان الى جميع تصرفاتهم واقوالهم ، سوف ينشأ اطفالهم على الصدق والاخلاص . ولكن مما يؤسف له ان بعض الآباء والامهات يفتقدون لهذا الوعي او الانتباه اللازم ، ويتصرفون بلا وعي او ادراك . فالأم على سبيل المثال تفعل شيئاً امام طفلها وتقول له اذا سألك أبوك عن هذا فلا تقل له شيئاً ، فمثل هذا الموقف يعد بحد ذاته درساً في الكذب او حينما يكثر الطفل من الالحاح على امه بطلب نوع الطعام تقول له لقد انتهى ولا يوجد منه شيئاً حالياً ، فهذا يعتبر ايضاً درساً في الكذب واسلوباً فجاً في تربية الاطفال .
14 ـ الأسوة السيئة : تعتبر اذن الطفل وعينه نوافذ يطل منها على العالم المحيط به فهو ينظر الى ما تفعلون ويسمع لما تقولون فمن المؤكد انكم تنصحون اطفالكم دوماً بصدق القول إلا ان عملكم قد يكون خلافاً لذلك ، فهو يراكم تقولون للآخرين اثناء وجوده في البيت بأنه غير موجود ، ويتعلم منكم اعطاء المواعيد وعدم الوفاء بها ، ويتعلم منكم حينما يطلب منكم جاركم شيئاً تقولون له ليس لدينا ، وهو لديكم . ولا تنسوا ان الطفل يتعلم منكم كل ما يراه منكم من افعال واقوال ، ويمارس اليوم اوغداً ما تعلمه منكم في علاقاته الاجتماعية . فكل تصرفاتكم اليومية درس يأخذه الطفل عنكم وينتقل اليه منكم .
15 ـ التشجيع في غير موضعه : نلاحظ ان بعض صغار السن يردد بعض الأكاذيب التي سمعها من الآخرين ، ويقولها امام ابويه بلسانه المحبوب وكلامه الجميل فيلقى التشجيع منهما من غير ان يلتفتا الى عواقب مثل هذا الموقف غير الصحيح . ويشعر الطفل بدوره بالارتياح لمثل هذا التشجيع لأنه جاهل بكل هذه المسائل ، ويواصل انتهاج نفس السلوك في الأيام اللاحقة ، بل ويعمد الى اكاذيب اكبر لأجل الحصول على مزيد من التشجيع والمحبة حتى يتعود على هذه الخصلة تدريجياً .
16 ـ اختبار الوالدين : قد يبادر الطفل في بعض المواقف الى الكذب لأجل اختبار أبيه اوامه والاطلاع على موقفهما من الأمر الفلاني . فنحن نعلم ان اطفالنا لايعرفون الكثير من اسرار هذا العالم وما يدور فيه ، ويجهلون الكثير مما يجري حولهم بسبب صغر سنهم وقلة تجربتهم وعدم معرفتهم بالمواقف الصحيحة التي يجب عليهم اتخاذها في مختلف الظروف ، فيبادرون الى اختلاق اكذوبة يتاح لهم من خلالها معرفة رأي الوالدين في هذا الموضوع او ذلك ، فإن كان الرد من الوالدين سلبياً قالوا ؛ انما نحن نمزح وانها مجرد اكذوبة ، وأما اذا كان ايجابياً واصلوا انتهاج نفس الاسلوب . وعلى هذا فان هذا النوع من الكذب انما هو لمجرد الاختبار ليس الا .
وهنالك عوامل ودوافع أخرى في هذا الصدد الا اننا نمتنع عن الاشارة اليها تجنباً للاطالة .
اساليب العلاج :
يمكن اتخاذ بعض الاجراءات والاستفادة من بعض الفنون في اصلاح ومعالجة الطفل او الشخص المبتلى بمثل هذه العادة القبيحة . ومن الطبيعي لو اننا استطعنا إقناع الطفل بضرورة اصلاح ما لديه من اخطاء فستكون امكانية نجاحنا في هذه المهمة التربوية اكثر وافضل .
اما الطرق والاساليب والواجب اتباعها في هذا الصدد فهي كمايلي :
1 ـ معرفة الاسباب : وهو عامل ينبغي الاهتمام به والتركيز عليه ، لا في جانب العلاج النفسي فحسب ، بل في جميع انواع العلاج الجسدي ايضاً . اذ ينبغي لنا ان نعرف أولاً : لماذا يكذب الطفل ؟ وما هي العوامل التي تدفعه نحو الكذب ؟ وما الهدف الذي يبتغيه من وراء ذلك ؟ الا انه من الطبيعي جداً ان توجد الكثير من الموارد والحالات التي يستعصي فيها فهم الاسباب والدوافع ، ولا يتيسر لكل شخص سبر اغوار الطفل والاطلاع على خفاياه الدفينة وانتزاع الاسباب التي تدفعه نحو الكذب . وليس معنى ذلك انه سر مقفل لا يمكن بلوغه مطلقاً ، لا سيما لدى صغار السن الذين لازالت فطرتهم نقية .
ان الاكاذيب الساذجة المنبثقة من التضخيم والتهويل الذي يبديه الاطفال ، يمكن اكتشافها بكل بساطة ، ولكنه حينما يكذب في قضية كبيرة تتضمن مسألة هامة ، فذلك يستوجب التأمل والدقة .
2 ـ التوعية : وبعد معرفة السبب او الأسباب لابد من اتاحة الفرصة للتوعية وطرح المعلومات الضرورية ، كأن ينبه الطفل ، اذا كذب بسبب الخلط بين الحقيقة والخيال ، الى ماهية الحقيقة والفارق بينها وبين الخيال ، وتوعيته الى انه قد أخطأ في تبيان هذه القضية .
اما الطفل الذي بلغ مرحلة التمييز فمن الضروري ان ينبه الى ان الكلام الذي تفوه به غير صحيح ولا يحظى بقبول الأب او الأم او الآخرين ، وقد يترتب على مثل هذا الكلام مخاطر في يوم ما ، او قد يفضي الى انتهاك الكرامة و ..
3 ـ توفير الاجواء السليمة : لاشك ان الاجواء التي يسودها الاخلاص والصدق ، والاجواء التي لا يلجأ فيها الأب او الأم الى ممارسة انواع الحيلة والمكر والكذب والخداع في حياتهم اليومية تؤثر كثيراً في اصلاح الأبناء ويعود السبب في ذلك كما ذكرنا سابقاً الى ان الكذب عند الاطفال ناتج من سوء التربية ومن النماذج الخاطئة التي يصادفها في حياته اليومية .
وهذا ما يفرض علينا تنقية اجواء البيت والمدرسة من مظاهر الحيلة والرياء ، وابعاد الطفل عن الاصدقاء الكذابين وحتى أولئك الذين يكذبون مزاحاً ، لان الطفل سريع التأثر بما يلقى في حياته اليومية ، ومن صفاته سرعة التأثر والتقليد .
4 ـ مراعاة العدالة : وهي نقطة جوهرية يتحسسها الطفل حين مشاهدته لوالديه وهما يخرقان هذا المبدأ . فهو يرى لو ان الاناء سقط من يد احدهما وانكسر لا يتعرض للمؤاخذة والاستجواب ، لكن هذا الموقف لو حدث معه شخصياً لتعرض من جرائه للاهانة والتوبيخ .
فحينما يشاهد الطفل الجور من والديه في امثال هذه المواقف يضطر الى الكذب حفاظاً على شخصيته التي يرغب في صيانتها من الإذلال والهوان .
فلو ان الوالدين تصرفا مع انفسهما كما يتصرفان معه لما برز مثل هذا الوضع ، ولما وجد الطفل نفسه مضطراً للكذب .
5 ـ العفو والتسامح : صحيح ان تربية الاطفال تستوجب وجود مجموعة من الضوابط ، الا ان ذلك لايعني التدقيق في كل شيء ، فهنالك فرق بين البيت والثكنة العسكرية ، فاذا وجد الاطفال انفسهم في حلقة ضيقة من الحصار فسيلجأون الى الكذب .
فاذا ما شئنا حث الطفل على قول الصدق ، فلا بد لنا من التسامح معه في بعض الموارد والاخطاء التي قد نرتكبها نحن ايضاً . فان اصطدم بالمزهرية سهواً وسقطت وانكسرت ، يمكن التغاضي عنه ، الا اذا كان هذا العمل قد تكرر منه مرات متعددة من بعد التنبية والتذكير . ومن الواضح ان طبيعة الحياة تفرض عليه إخفاء بعض الامور التي يتسبب كشفها في خجله واحراجه ، على شريطه ان تكون اموراً جزئية وغير مخالفة للشرع والاخلاق .
6 ـ اختصار الطموحات : لو اننا عقدنا الأمل على صلاح ابنائنا وحسن سلوكهم ، فذلك لايعد خروجاً عن اطار الطموحات المشروعة والمنطقية ، الا ان الجانب الذي يجب مراعاته هو ان تقصر طموحاتنا في حدود ما يتمتعون به من قدرات وقابليات ، كأن نطلب اليه القيام بالاعمال التي نتقاعس نحن او نعجز عن القيام بها .
يتوقع بعض الآباء والامهات عدم صدور اي خطأ من طفلهما ويريدان له ان يظل في حياته بريئاً كالمعصوم ، وامر كهذا لا يمكن تحققه ، وكل ما يمكن انجازه في هذا المضمار هو تقليل نسبة اخطائه عن طريق ما يبذل من جهد ومتابعة وارشاد . وان بدا منه خطأ او زلل ، فالأحرى بكم ان تبدو له الصفح والتسامح ، كما تخطأون انتم ويصفح عنكم الرب الكريم ؛ فمن الصغار الزلل والتقصير ، ومن الكبار العفو والتسامح .
7 ـ الأمان من العقوبة : يجب ان يشعر ابناؤنا في البيت بالأمن والاستقرار . ويطمئنون الى ان اخطاءهم اللإرادية أو غير العمدية تغتفر لهم . ولا عقوبة ولا توبيخ الاعند ارتكاب الاخطاء المتعمدة ، اما اذا صدق في كلامه ، فالأولى ان نخفف عنه العقوبة حتى في الاخطاء المتعمدة .
ومن الضروري ان يتضح للطفل ان أبويه لا يتبعان عثرته ولا يقصدان مكاشفته بكل صغيرة وكبيرة . بل ان مبدأ الحياة قائم على التفاهم والمحبة وحسن الظن وطيب النية . وما العقوبة الا للحالات التي يتعمد فيها الاساءة ، ففي مثل هذه الحالة لابد من معاقبته .
8 ـ النصح والارشاد : وهذا ايضاً له دور لا يستهان به في اصلاح السلوك وتقويم الاعوجاج بل ان دوره مصيري وفعال ، فلا ينبغي التساهل فيه او اهماله . و ما اكثر الاشخاص الذين استقامت حياتهم بالنصح والارشاد وكانت نتيجته ان سلكوا طريق الصواب في الحياة .
فاذا كان هذا العمل مؤثراً في الكبار فهو اكثر تاثيراً في الصغار ، وسبب ذلك هو عدم ابتعادهم كثيراً عن الفطرة ؛ فلا زالت نفوسهم زكية وضمائرهم طاهرة . وتذكيرهم بمفاهيم الصفاء والطهارة ، والعدالة والطهارة ، والنقاء والاخلاص يؤثر كثيراً في نفوسهم . ولا بأس بالاشارة الى التصرفات الخاطئة التي يرتكبها الآخرون . فنقول ان التصرف الفلاني غير صحيح ، وينطوي على اضرار بالغة ، ويثير سخط الله ، ويؤدي بالانسان الى دخول جهنم ، فهذا يعتبر من الوعظ غير المباشر وله تاثير ايضاً في صدّه عن التمادي في ارتكاب مثل هذه الاخطاء .
9 ـ ابداء المحبة : يجب أن نبدي لاطفالنا من المحبة والحنان ما يجعلهم يشعرون بطعمها ودفئها . فالطفل يجب ان يشعر بأنه وجود محبوب في البيت ، واذا حدث وان اغلظ له الابوان بالقول او العقوبة فهو ايضاً من باب المحبة .
فوجود الحنان يجعل الطفل في غنى عن التصنع والتظاهر ، ولا يشعر بالحاجة الى جلب انظار الآخرين بواسطة الاكاذيب والمبالغة والتهويل ، لأن هذا يثير حنق الوالدين وسخط الخالق . فبالمحبة ينعقد ما كان قد انفصم ، وتزاح الكدورة من القلوب ، وبوجودها يسهل التفاهم بين الولد ووالديه ، ويندفع الى التحرك في نفس المسار الذي يرسمه له الوالدان ، وهذا ما يستلزم طبعاً التغاضي عن اخطائه في بعض المواضع والصفح عنه حتى في بعض الموارد التي تستحق العقوبة .
10 ـ الإنذار : من جملة الامور المتعارفة في التربية هو السعي الحثيث من قبل الوالدين لإفهام الطفل بعدم صحة الطريق الذي يسير فيه ، والعواقب السلبية المترتبة عليه ، ولاشك في ان مثل هذا الاسلوب ومثل هذا المنطق غير مفهوم ، بل وغير نافذ عند جميع الاطفال .
فالاسلوب المتبع مع الاطفال في دون سن السابعة اذا ما ارتكبوا خطأ هو أن نقول لهم بأن هذا التصرف غير صحيح ولا يرتضيه ابواك ، ونحن لا نريد في بيتنا اطفالاً كذابين ، ولا نحب الشخص الكاذب ، ولابد ان يعرف الطفل مسبقاً ماهي المنفعة التي يجنيها من محبة ورضا الوالدين ، وما هي الاضرار المترتبة على عدم رضاهما . اما في السنوات اللاحقة فيمكننا ان نقول له بان الله لا يرضى عن مثل هذا العمل ، والعمل الذي لا يرتضيه الله تتبعه عقوبات شديدة من قبيل جهنم والعذاب بالنار والحرمان من النعم والملذات .
11 ـ اظهار السخط : وفي ميسور الاب والأم ايضاً الايحاء الى الطفل بعدم رضاهما عنه سواء كان ذلك تصريحاً ام تلميحاً ، وانهما لا يحبان ان يسمعا منه اي كلام كاذب ، وانهما يشعران بشديد الاستياء نتيجة لتلك الكذبة المفضوحة التي تحدث بها امام ذلك الجمع من الحاضرين .
وبإمكان الوالدين في بعض المواقف الاكتفاء بمجرد التعبير بالملامح الظاهرية عن غضبهم لهذا الكلام الذي اساء الى كرامتهم امام الآخرين . وينبغي ايضاً تهويل المسألة في نظره حتى لا يتكرر منه مثل هذا الموقف ولا تراوده فكرة الكذب مرة أخرى .
12 ـ التثبيط :اما في الحالات التي يتكرر فيها الكذب من الطفل فلابد من مواجهته وبشكل متزن بالتثبيط والردع . كأن نواجهه مثلاً اثناء إدلائه بالاحاديث الكاذبة بوجه عبوس وملامح دالة على عدم التصديق ، وألا نقف ازاء أكاذيبه موقف المتفرج الذي لا يبالي بما يسمع ، بل نتدخل ونقطع عليه حديثه ونغير مسار الحديث ليفهم بانه لم يفلح في مقصده ، وان نفهمه من خلال تجاهلنا لكلامه بان حديثه تافه لا وزن له وغير جدير بالاسماع اليه ، ليخجل من فعلته ولا يعاود تكرارها .
13 ـ التوبيخ : وفي المواقف الاكثر حدة لابد من اتخاذ مواقف اكثر صرامة .فبعد الاطلاع على اكاذيبه لابد من مكاشفته بها وتنبيهه الى اننا على علم بما يقول من اكاذيب ، فالمسألة التي نقلها لم تكن بتلك الصورة وإنما بشكل آخر ، فلا يتصور انه قادر على خداعنا .
ولا داعي للتذكير مرة أخرى بان مثل هذا الارشاد والنصح والمكاشفة يجب ان لا تتم على مرأى ومسمع الآخرين ، فيشعر من جراء ذلك بالفشل والاحباط ، لأن الطفل عندما يجد نفسه مفضوحاً امام الآخرين ، يدخل في بعض المطبات الخطرة ، حتى يصبح كذاباً محترفاً .
14 ـ التهديد والعقوبة : واخيراً اذا لم تجد اي من الاساليب المشار اليها سابقاً ولم تحقق ما يرتجى ، فان الواجب يحتم علينا اتباع اساليب التهديد والعقوبة لردعه عن الكذب ، وهو ليس بالاسلوب العملي الناجح والمطلوب ، وان استخدامنا لاسلوب العقوبة يدل على ان علمنا التربوي قد جاء بعد فوات الأوان .
ومع هذا فان المواقف اللاحقة تفرض علينا امتلاك امكانات اخرى وهي ان نلوح بنفس العقوبة لاميزانها ، ومن الضروري ايضاً عدم حصول العقوبة بحضور الآخرين وان لا تتسم بالخشونة و..........و........ الخ .
منقول .....من كتابات الدكتور سعد رياض -الدكتور فى علم النفس و العلاج النفسى
اتمنى ان ينته الاباء والامهات لهذا السلوك وتقويمه عند الاطفال
مع مراعات عمرهم الصغير وتفكيرهم البريء